شراكة طويلة الأمد من أجل صناعة مستقبل أحد أهم المواقع التراثية في المملكة العربية السعودية

جمعتنا منذ عام 2020 شراكة قوية ومثمرة مع شركة ومؤسسة الدرعية تروم تجسيد التطلعات الثقافية الطموحة للدرعية، العاصمة التاريخية للدولة السعودية. فمن قلب حي الطريف المصنف ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، يتبلور هذا المشروع التنموي بخطى حثيثة ليكرم هذا المشهد الطبيعي الآسر ذا الأهمية الوطنية البالغة، والذي يحفظ بين تضاريسه المهيبة الذاكرة والهوية.

يغطي نطاق عملنا في هذا المشروع مناحي عديدة تتراوح بين تطوير الاستراتيجيات التأويلية، وتقديم الخدمات الاستشارية بشأن تكليفات الأعمال الفنية العامة، ودعم مبادرات التاريخ الشفهي، وإدارة المجموعات، وتصميم تجارب الجمهور. ومنذ البدء، حرصنا على التعاون والتشاور مع فريق العميل بشأن كل صغيرة وكبيرة لنُخرج إلى النور وجهة ثقافية تعكس غنى التراث السعودي بدقة، مع ضمان ملاءمة واحترام جميع تفاصيلها للسياق التاريخي والمحلي.

يرتكز نشاطنا التأويلي في الدرعية على موقع حي الطريف الذي يحظى بأهمية ثقافية ورمزية وطنية خاصة. وفي سياق عملنا، تولينا توجيه مشروع تطوير سردية هذا المعلم المصنف ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، وغيره من المتاحف ومراكز الزوار الجديدة كلياً. كما عملنا على تطوير إطار عمل ناظم يمزج بين الحقائق التاريخية والسياق المعاصر.

أخذنا على عاتقنا وضع الإنسان والمكان والتراث في قلب جميع التجارب التي عُهد إلينا بتصميمها، من بيت آل سعود ومتحف قصص الدرعية، إلى مشروع تأويل المشهد الطبيعي والتاريخي لوادي حنيفة ومشروع التراث المادي وغير المادي في متحف مسك للتراث "آسان". وتجلى ذلك عملياً في بناء السرديات عبر عناصر العمارة والذاكرة واللغة، وأيضاً عبر فن الخط العربي من خلال شراكتنا مع مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي، والذي يسعى إلى تجديد الاهتمام بهذا التقليد الثقافي المتجذر في المنطقة.

بُنيت شراكتنا مع الدرعية على أساس الثقة والاستمرارية. فمنذ خمس سنوات على التوالي ونحن نعمل جنباً إلى جنب مع شركة الدرعية ومؤسسة الدرعية بتقديم استشارات مستنيرة لتطوير الاستراتيجيات، وبناء هياكل تأويلية متكاملة، وتوجيه الجيل الجديد من مهنيي القطاع الثقافي.

التزمنا في إطار هذه الشراكة، ولا نزال، بالانخراط في نهج تشاركي لإجراء الأبحاث، وتقديم دورات تدريبية مخصصة، وتوفير الدعم المتواصل لبناء القدرات المحلية عبر جميع مراحل تسليم المشاريع. وهكذا تعددت مبادراتنا على مستوى التخطيط للمعارض وإشراك الجمهور والتراث غير المادي والسرد القصصي الرقمي، وتنوعت البرامج التي صممناها في تلك السياقات بين الكتابة للمتاحف، وأخلاقيات تطوير السياسات، وتنفيذ أنظمة المحتوى، وهيكلة الأقسام. وقد ساهم ذلك كله في إرساء دعائم شراكة فعالة ومستدامة ومستقبل أكثر إشراقاً.

أصررنا في عملنا بالدرعية منذ البدء على إماطة اللثام عن سرديات لا تزال دفينة، مع أنها من مقومات هوية المكان وأهله. لذلك تعاونا مع فرق الدرعية وخبراء محليين للتنقيب عن تلك الدرر الكامنة من خلال الأبحاث الأرشيفية والشهادات الحية والتأويلات المخصصة لكل موقع بعينه.

شملت أبحاث المجموعات التي أجريناها ما يزيد على 150 مؤسسة عبر 30 بلداً، من المكتبات الرئاسية الأمريكية إلى المجموعات الأوروبية الخاصة، وحتى الأرشيفات العثمانية والمصرية التي لم يكن من السهل الوصول إليها. ولعل أبرز اكتشاف أثمرته جهودنا كان رسالة وجدناها محفوظة بعناية في مكتبة بودلي، كتبها الإمام عبدالله بن سعود إلى أحمد آغا. وقد كانت بالفعل وثيقة نادرة وقيمة تكشف الكثير عن المشهد السياسي في مطلع القرن التاسع عشر.

عكف فريقنا على تطوير رؤية وإطار عمل برنامج طموح لتوثيق وصون معارف المجتمعات المحلية، وتمريرها بأمانة للأجيال القادمة. ويتعلق الأمر بمبادرة الدرعية للتاريخ الشفهي.

استندت المبادرة على استشارة أفراد من المجتمعات المحلية وخبراء بارزين في التاريخ الشفهي بهدف حفظ جانب مهم من التراث، يتمثل في الذكريات والأصوات والتجارب المُعاشة من طرف سكان الدرعية. فهذه الروايات والأخبار ليست مجرد معلومات تاريخية، بل هي جزء لا يتجزأ من مشهد الدرعية العام، بما يشمل البيئة المبنية والغطاء النباتي والحيواني الغني لوادي حنيفة.

مع استمرار الدرعية في النمو والازدهار، أصبح الفن العام يشغل حيزاً مهماً في مساحاتها العمومية، معبراً بإبداع عن جوانب متنوعة من هويتها الأصيلة. وهنا أيضاً أدى فريقنا دوراً محورياً تمثل في دعم التكليفات الفنية، وتطوير الاستراتيجية، وتوجيه عمليات انتقاء الأعمال الفنية وتحديد موقع تركيبها وتقييم إمكانياتها السردية.

من تدخلات واسعة النطاق بين تضاريس الدرعية المهيبة إلى أعمال فنية أصغر حجماً مستلهمة من الأشكال والجماليات النجدية، لم يتعامل فريقنا مع تلك التعبيرات كقطع تزيينية جامدة، وإنما حرصنا على نَظْم كل عمل فني على حدة باعتباره جزءاً من تعبير ثقافي مشترك، متأصل في روح المكان ومتشبع بتاريخه، وقابل للتأويل بطرق مختلفة من لدن الزوار والسكان على حد سواء.

تولف الدرعية بين التراث الطبيعي والثقافي والحضري في مكان واحد وعلى نطاق غير مسبوق. ومواكبة لهذه الرؤية الطموحة والمعقدة في آن واحد، اتبعنا منذ المراحل الأولى نهجاً محكماً استندنا فيه إلى خبرات فريقنا متعدد التخصصات لمواءمة الرؤى الاستراتيجية والتأويل والتنفيذ.

وعلى هذا المنوال، تحدثنا إلى طلاب وأساتذة المدارس لاستشفاف انطباعاتهم حول التجارب التراثية، واجتهدنا في توريد واقتناء القطع الفنية والأثرية، وساعدنا في بناء المجموعات، وصممنا تجارب زوار هادفة ومتاحة للجميع. كما طورنا مخططات تشغيلية مضبوطة لدعم استدامة المشاريع على المدى الطويل، وقدمنا توجيهات من وحي خبراتنا حول أهمية وكيفية التوليف بين عناصر القصة والمكان والمجتمع بتناغم تام.

وقد آتى هذا النهج المتكامل أكله فعلياً في دعم التحول الثقافي للدرعية بشكل عام، حيث ضَمن اتساق جميع المبادرات لتحقيق رؤية موحدة، وكَفل تجذر الغايات والأهداف في الواقع المُعاش، وأرسى الدعائم الأساسية لمكان يستمر في النمو والازدهار شكلاً ومضموناً.