مستقبل مدينة من وحي خيال أهلها

قصص بلفاست وجهة ثقافية بارزة وجديدة كلياً تستكشف ماضي المدينة وحاضرها ومستقبلها بصوت أهلها. وقد جاء هذا المشروع، الذي لا يزال قيد التطوير، بمبادرة من مجلس مدينة بلفاست تهدف إلى إدماج تجربة زوار فارقة في فضاءات الإنتاج السينمائي والإبداعي. وتحقيقاً لهذه الرؤية المُبتكرة، يعمل فريق باركر لانغهام ضمن فريق أوسع بقيادة مكتب رالف أبلبوم وشركاؤه (RAA) على تصميم رحلة زوار منقطعة النظير، تتصدر فيها المشهدَ ذكريات الحياة اليومية وتفاصيل التجربة المُعاشة.

عير التخطيط الرئيسي التأويلي والتصميم المشترك وإشراك المجتمعات المحلية بشكل جوهري، يواصل فريقنا الإسهام في مشروع مؤسسة ثقافية ليست كباقي المؤسسات، مؤسسةٌ مفتوحة واحتوائية بطبيعتها، وذات تصميم غير مكتمل عمداً. ويظل نبراسنا في هذه التجربة إيماننا الراسخ بقدرة السرد القصصي على تجديد روح المكان، وتوطيد الروابط، والتعبير عن الهوية المعقدة لمدينة تستمر في النمو والتطور.

لم نستهل تخطيطنا التأويلي لمشروع قصص بلفاست بخط سردي ثابت، وإنما بسؤال مفتوح مفاده: كيف يمكننا جعل المدينة تتحدث عن نفسها؟ وبدلاً من فرض بنية هرمية تقليدية إجابةً على هذا السؤال، طورنا إطار عمل تحكمه ثلاث زوايا معالجة شاملة، ألا وهي الزمان والمكان والوجدان، ما مكننا من تنسيق مواد المشروع مع ترك هامش واسع للمرونة والتعددية وعامل المفاجأة. ومن إيجابيات هذا النهج المحصن من قيود حقوق الملكية، أن فسح المجال لظهور قصص تتباين من حيث الشكل والمضمون، ويتعاظم نطاقها من ذكرى شخصية لطاولة مطبخ، مثلاً، إلى تاريخ بلفاست السياسي والصناعي والثقافي الأوسع.

المشاركة المجتمعية هي المحرك الرئيسي لهذا المشروع، وليست ملحقاً اختيارياً يكمله. ففي إطار مبادرة "شبكة القصص"، تمت دعوة سكان المجتمعات المحلية للإسهام بذكرياتهم وطرائفهم وأفكارهم الشخصية في سلسلة من الفعاليات التشاركية بتنظيم من مجلس مدينة بلفاست. كشفت هذه الجلسات عن مواهب مغمورة هائلة، وكانت فرصة سانحة لاختبار مفهومنا التزويلي، وتكريس الإحساس بالملكية لدى المجتمعات المحلية، وضمان صياغة التجربة بأصوات الأفراد الذين تمثلهم.

بلفاست مدينة رواة القصص بامتياز. لذا حرصنا منذ مراحل المشروع الأولى على التعاون مع الفنانين والمبدعين المحليين للتوصل إلى السبل المثلى لجعل مجتمع المبدعين في المدينة يدلون بدلوهم في المشروع، باعتبارهم شركاء في صناعة القرار وليس مجرد مساهمين. وتفعيلاً لذلك، نظمنا معهم ورش عمل لتطوير الموضوعات، وأجرينا نقاشات مطولة حول شكل التجربة ونبرتها، وخططنا للكيفية التي يمكن للصناع المحليين من خلالها الاستمرار في دعم المركز بعد افتتاحه. وعلى هذا النحو سيتسنى للمشروع تحقيق هدفه المتمثل في دعم المواهب الصاعدة والاحتفاء بإشعاع القطاع الإبداعي في آن واحد

يقوم المشروع على قصص تغطي نطاقاً زمنياً يمتد عبر عصور من الزمن، ومجتمعات متنوعة ومتعددة، وطيفاً شاسعاً من المنظورات الملهمة. وبالتالي فإننا نركز في إطار استراتيجية المحتوى التي طورناها على توثيق وتأويل وحفظ مختلف أشكال التراث الثقافي غير المادي، من اللهجات المحلية والتاريخ الشفهي إلى التقاليد والعادات اليومية والحس الفكاهي المميِّز لهذه المدينة. وفي هذا النهج تأكيد وإصرار على أن التراث لا يُقدر بالضرورة بمدى إشعاعه أو رسميته، إذ تتجلى مظاهره أحياناً كثيرة في أسلوب الناس في الكلام، وما يعلق في ذاكرتهم، وما يرونه أحق بالنقل للأجيال اللاحقة.

قصص بلفاست أكثر من مجرد وجهة ثقافية. إنها مشروع من سكان بلفاست وإليهم، يقوم على اعتقاد جازم بأن للسرد القصصي القدرة على تجديد الروابط بين المجتمعات، وتجسيد التجربة المُعاشة، وتكريم المدينة بأشكال متعددة ومتنوعة. وإذ تدعم هذه المبادرة أهداف تجديدية أوسع وأشمل، فإنها تركز بالأساس على خلق فضاء يرسخ الشعور بالاعتزاز المجتمعي، ويتحتضن التعدد والتنوع، ويعزز روح الانتماء المشترك، فضاءٌ يُصنع فيه مستقبل المدينة بإلهام من قصص ماضيها، وبمشاركة الجميع.

أردنا لمشروع قصص بلفاست منذ مراحل تصوره الأولى أن يستمر في النمو والتطور حتى بعد افتتاحه. وبالتالي، فإن هذه التجربة لن تتخذ شكل معرض ثابت، وإنما ستكون بمثابة منصة مفتوحة تستجيب لاحتياجات المدينة التي تمثلها وتواكب تطورها. وهكذا سيستمر تدفق القصص الجديدة مع مرور الوقت، وسيظل الباب مفتوحاً في وجه الزوار للاستماع والمشاركة على حد سواء. وسيتحول المركز بحد ذاته إلى جزء من قصة بلفاست، مكانٌ تنتعش فيه الذاكرة، ويتجدد فيه الحوار، ويتفتق فيه الإبداع.